قصاصة صفراء على جدار العمر

Friday, July 31, 2020

تظافرت جدائل المحاسن وبدائع المياسم⁽¹⁾ في تفاصيلنا العربية والإسلامية حتّى بلغت مقامًا عليًّا في أنفسنا وعوالمنا الممتدة على متن خريطة الدنيا؛ فبتنا مرادف الأنس وحسن المعشر = لا نشرب الشاي والقهوة العربية إلّا مجتمعين؛ نمدُد أيادينا وقلوبنا نحو بعضنا البعض ضيافةً وحبًّا، ولا تطيب شعائرنا إلّا متراصّين؛ كالبنيان بل أجلّ وأبهى، ولا تزدان أعيادنا إلّا متحلّقين؛ كما لو كنّا كواكب وأقمار نسبح في فلك أحبّتنا = خُلقنا من طينة الأُلفة وماء الحياة، وبتنا لبعضنا صيبًا هانئًا من التواد، ونورًا متلألئًا من العطف والتحنان، فكان الالتقاء أبدًا صبغة من تباضيع هويّتنا؛ وذلكم حسنٌ قد استوى على رأس الخصائص فزادها ملاحة وحظوة.

ألفتُ في سنِي عمري أن أقضي عيد الفطر حول أهلي لأمي بالحجاز، وعيد الأضحى مع أهلي لوالدي بالمنطقة الشرقية -ما سمحت الظروف-، وأحبّ جدًا هذه القسمة العادلة حقيقةً؛ غير أنّي ومنذ عيدين بقيت في مدينتنا الصغيرة، اختيارًا لا إرغامًا؛ مرّة اخترت فيها أن أشارك أخي الأكبر وزوجته الكريمة ترقّب قدوم "فارسنا" كونه طفلهم الأوّل وأنا ممّن يهوى بكور الأشياء ويقدّر التفاصيل الصغيرة جدًا، ومرّة لعارضٍ أصاب عالمنا ونسأل الله له انفكاكًا، فبقيتُ فردًا على غير العادة بيد أنّ العيد أعاد توظيب نفسي، وبدّل المعاني في معجمي الشخصي.

أقلّب بصر روحي بين صفحات عمري؛ فيسقط على قصاصة صفراء⁽²⁾ لذّة للناظرين وتفرّ من عينيّ تقويسة الرضا من بعد التأمّلٍ الهادئ؛ لم يكن العيد يومًا باسمه وكينونته المنفردة، هو يوم كسائر الأيام غير أنّه شعيرة من الشعائر التي نحتفي بها امتثالًا، لكنّ البهجة التي تنبثق من بين ثناياه مناطها الفكرة الأولى؛ "التحلّق والتحليق" بين الأفئدة المجتمعة، بين ضحكات والديّ الكرام، مناكشات إخوتي، وجبة الإفطار التي نعدّها بأجفان متثاقلة وقلوب بخفّة الطّير أو أرقّ، بخطوات الأحفاد التي تشبه الرقص على الغيم، بترقّب التكبيرات بأرواح تتراقص حبورًا حتّى نكاد نتعثّر بتنهيداتنا، بتهاني الأحباب التي تلحقها كما لو كانت أرواحهم تأتينا بُردىً، بقطع المعمول التي نمررها بيننا ونترقّب ردّة الفعل بروحٍ طفوليّة؛ ونسعد بسماع الـ"ممم" تلذذًا من أفواه امتداد قلوبنا في الأرض، بكل نفسٍ انشطرت وتوزّعت على أنفسٍ أُخر دون أن تسمع لها ركزًا .. العيد؛ أنتم، العيد بكم، العيد منكم وإليكم، ومعكم يعود سيرته الأولى؛ أرض البهجات وعالم الدهشات.

«أبهى من الأعيادِ عنديَ أن أرى 

وجهًا يَسُن لكلِّ عَينٍ عيدا» 


عاد عيدكم، والمسرّات في أعماركم مديدة.

ــــــ مخرج ــــــ
تطربني التهاني عقِب صلاة العيد؛ ونويت أن أشارككم هذه التدوينة  في تلك الساعة تحديدًا؛ لكن تذكرت كيف أن التحضيرات معدية وأحبّ أن أكون سببًا لبثّ حماسة إحياء الشعائر ولو بلقطات بسيطة؛ فيارب :$ 




 ________________________________
⁽¹⁾ جمعُ ميسَم؛ السِّمَةُ والعلامة وأَثرُ الحُسْن والجمال.
⁽²⁾ اعتدنا في بيتنا على قصاصات لطيفة نتركها لبعضنا البعض؛ وهذا أثر سيدي الوالد أطال الله عمره وظلّله بسماء السعد والعافية ولا غرو أن ننشأ على ما عوّدنا أبانا؛ أمّا اختيار اللون الأصفر فلصبغته المبهجة دائمًا = وهو ما اخترته لعيد بيتنا هذا العام.

1 comment:

  1. كل عام وانتِ وأهلك وأحبابك بألف خير

    ReplyDelete

Top