بديهيَّات مغمورة

Wednesday, May 17, 2017


أجدني حائرة حقيقةً في الكيفية التي يتوجّب عليّ أن أستهل بها تدوينتي هذه, إذ لا أخفيكم أني أوشك أن أرى سيلًا من العبارات والجمل الغير مترابطة تتقافز أمام عينيّ في هذه اللحظة, وهو أمر بديهي* جدًا يتلازم مع كل الخطوات الأولى التي نُرغم أنفسنا على خوضها قسرًا! .. هي أشبه بحالة من الاضطراب المؤقّت تعصف بنا حتى يستعيد الواحد منّا لياقته ويتكيّف مع بيئته ويصير جزءًا من كل, حينها فقط يستقيم حاله, وتترابط جمله ويستقر.

هذه (البديهيات)* المتناهية في الصغر والتي تأخذ شكلًا بدائيًا هينًا كما جاء على لسان العرب:
المعرفة التي يجدها الإنسان في نفسه من غير إعمال الفكر, ولا علم بسببها
 يحدث أن تزاحمها شوائب الأيام حتّى تغمرها فلا تكاد تبصرها!, ولعلك في لحظةٍ ما تحدّث نفسك ما أن تسمع بها من غيرك وتقول على سبيل التهكّمأمر جليّ مسلّم به لا طائل من ذكرهلكنك تناسيت أنك أقصيته دون وعي وماعملت به لتتذاكره! ولو أنك ذكرته وذكّرت به لأوعزت لنفسك بدوامه فيك وفي مجتمعك ولنفعت وانتفعت

أكاد أجزم أن جملة من البديهيات قد تدافعت إليك آن قرائتك للأسطر القليلة الماضية, ولعلّي ومن هذا النافذة التي أطل منها عليك, أشاركك بعض ما وقفت عليه بدوري حتى ساعتي هذه.

عمومًا, أحد البديهيات تقول: “من نقطتين معلومتين يمر مستقيم واحدالمستقيم مسّلم به لكننا بإمكاننا أن نغزل من النقطتين جديلة متخذة شكلًا هندسيًا مناقضًا للمستقيم البديهي, ليقودنا نحو التعريف الفلسفي الرياضي التالي:
البديهيّة هي أي قضية تكون مقدمة لاستنتاج تصريحات أخرى منطقيا. ويمكن أن تكون البديهية هي العبارة، الافتراض، المقولة أو القاعدة التي تشكل أساسا للنظام الشكلي.” 
وعليه فإن كل البديهيات القادمة إنما هي أرض خصبة قابلة للإزاحة والإضافة وفق حاجتك.

( تنبيه: هذه التدوينة طويلة نسبيًا وتحتاج معها مرافقة كوب من مشروبك المفضّل


(بديهيات مهنية)

قبل الوظيفة | مرحلة البناء والتأهيل

ينبغي على كل فرد أيّا كان توجهه المهني, أو الإجتماعي, أن يولي ذاته وفكره عناية خاصة, إذ أن استثماره في نفسه هو مفتاحه لكل الأبواب المستقبلية المجهولة! .. من الضروري جدا جدا بناء قاعدة معرفية قويّة في مجال (المهارات الشخصية أو ما يعرف بـ Soft skills) وبالمناسبة تندرج هذه المهارات تحت بندالذكاء العاطفي والإجتماعيوالذي يعد من أهم المهارات في جميع جوانب حياتك

ماذا نقصد بالمهارات الشخصية Soft skills ؟
هي المهارات التي لا ترتبط ارتباط مباشر بالمهام المتطلبة وإنّما تكون مكمّلة للمهارات الثابتة وجزء من ذكاء الشخص, بمعنى أكثر وضوح هي المهارات التي تحدد آلية تعاملك مع الأفراد أنفسهم والمجتمع. وبالمناسبة أهميتها موازية لأهمية مؤهلاتك العلمية بل ومعززة لها
تندرج تحتها: مهارة حل المشكلات - التواصل - التحفيز - تحمّل المسؤولية والإلتزام - إدارة الوقت - القيادة وإدارة الأفراد - القدرة على تحمل الضغوط - التفكير الإبداعي - النقاش والتفاوض - تقديم المبادرات .. إلخ



الجدير بالذكر أن هذه المهارات لا تُكتسب إلّا بالمخالطة والتجربة! لذلك يتعيّن عليك أن تهتم جدًا بأمرين خلال مسيرة حياتك:

<العمل التطوّعي> و <التثقيف الذاتي> لتصقل هذه المهارات وتخرج بأجود إضافة لشخصيتك.

أمّا العمل التطوعي, ففيه إحسان للطرفين, نفسك ومجتمعك. يرفع من مستوى التقدير الذاتي لاسيما فيما تبذله طواعية دون مقابل بما في ذلك من التربية الذاتية التي تدفعك للإكتفاء بالمعاني المعنوية العميقة, عن المادّيات. أضف لذلك أن المخالطة نفسها تعزز من مهارات التواصل لديك, وتزيد من خبرتك العمليّة في المجالات التي ليست ضمن نطاق دائرة راحتكوتخصصك”, من أجمل القيم المكتسبة في مجال التطوّع أن يعلمك كيف تتعلم القليل من كل شيء بمخالطتك لمتعددي المواهب والمهارات, والإنسان بطبيعته يأخذ من محيطه! زد على ذلك فرصتك لتوسيع دائرة معارفك, والتي من شأنها أن تفيدك لاحقًا في المجال المهني

تعلّم أن تسوّق لنفسك, بنفسك!

وامّا فيما يختص بالتثقيف الذاتي, فمعزز لمبدأمعرفة القليل من كل شيء, والتخصص في شيء واحد”!
بصراحة أجد أنه من المعيب أن تقوللا أعرففي هذا الزمن, لا سيما وأنك محاط حرفيًا بكل القنوات التي تعد نوافذ على عوالم وأبعاد لا حدّ لها

نقطة مهمّة جدًا| اعرف نفسك قبل كل شيء! شخصيًا أحب إختبار تحديد الشخصية MBTI كونه دقيق ومنطقي في نتائجة مما جعله خيار لعدد لا بأس به من الشركات العالميّة.
النسخة العربيّة من الإختبار | النسخة الإنجليزيّة

عمومًا, درّب نفسك على أنتبادرلترفع من مستوى وعيك ومعرفتك الذاتية, لا داعي لسؤال الأفراد من حولك, إبدأ بطرح تساؤلاتك على أكثر محركات البحث شهرة Google, اطرح تساؤلك كسؤال (لعل السؤال دارج) أو استخدم الكلمات المفتاحية التي تحمل مضمون التساؤل, غالبًا ستجد رابطًا لموسوعة ويكبيديا ضمن النتائج يحمل بداخله لمحة جوهرية عن الموضوع فلا تهمله وبالمقابل لا تعتمد عليه تمام الإعتماد نظرًا لأنه يعتمد على إجتهادات النّاس لا أهل الإختصاص

بالمناسبة ان كنت تجيد اللغة الإنجليزية فهذه نقطة إضافية لصالحك نظرًا لمحدودية المصادر العربية للأسف, أنصحك دائمًا بالبحث باللغتين. توجّه بعدها للمحرك الأكثر إنتشار Youtube, جرب أن تبدأ سؤالك بـ “ How to” وابحر في النتائج المتاحة. ولديك متّسع من الأفكار الإبداعية والنتائج المميزة على موقع Pinterest فلا تهمله.

عمومًا, ثمّة الكثير من محركات البحث المختصة, بادر وإبحث وجرّب. والله ما بيعض :)


من جانب آخر, هنالك عدد من المنصات التعليمية الرائعة, ناهيك عن القنوات البصرية التثقيفية المجّانية والمدفوعة, فأحسن استغلالها مثل:
  • رواق - منصة عربية للتعليم المفتوح. (لغة عربية)
  • Corsera - منصة أجنبية للتعليم, تقدم دورات من جامعات مرموقة من حول العالم. (لغة إنجليزية)
  • Netflix - منصة مرئية (تتضمن مسلسلات وأفلام وثائقية). (لغة إنجليزية - يتيح خاصية الترجمة للغة العربية)
  • TEDx - منصة للمتحدثين الملهمين من حول العالم. (لغة إنجليزية - بعضها مترجمة على Youtube)
  • edX - منصة أجنبية للتعليم, تقدم دورات "مجانية" من جامعات أمريكية مرموقة. (لغة إنجليزية)
  • Skillshare - منصة أجنبية لدورات (مهارات) "مدفوعة" من كافة الفنون. (لغة إنجليزية)

كما يمكنك إستغلال أوقات فراغك, وتلك الدقائق المهدرة في الإنتظار- ومشوار السيارة مثلًا-, بالقنوات السماعية المثرية, والتي تتوفر في كل هواتفنا الذكيّة Podcasts, المعرفة تناديك من كل جانب, عليك فقط أن تلتفت وتنصت.

وأحب لفت نظرك عزيزي القاريء -مادمت في هذه المرحلة- إلى أهمية الجانب الحقوقي في مرحلة التثقيف الذاتي, حاول ما استطعت لذلك سبيلًا أن تعرف حقوقك في المجال المهني, وحقوق المؤسسات بطبيعة الحال! أعطي نفسك فرصة الإطلاع على بنود قوانين العمل والعمال في الدولة التي ستعمل بها, كن مستعدًا دائمًا.

طيّّب, لعلك لاحظت أني لم أتطرق للكتب في مجمل حديثي, بصراحة لم أفعل لأنها أسلوب حياة, هنا يأتي دورك أنت.

عمومًا, صدّقني ومن واقع تجربة شخصية في مجال التوظيف والعلاقات الإجتماعية, فرق شاسع جدًا جدًا بين المستثمر في نفسه وفكره, وبيناللي بقراطيسه”, شتّان والله بين الباذل والمتواكل.

نقطة أخيرة | تسويقك الذاتي يبدأ من سيرتك الذاتية! .. حاول أن تواكب آخر المستجدات في هذا الجانب, وتجدر الإشارة إلى أن كلًا من الأفراد والمؤسسات أصبح لديهم وعي كاف بالسير الذاتية الإنفوجرافية Infographic CV لاسيما وأنها تعطي صورة شاملة وسريعة عن المتقدم لجهة العمل! ـ أرفق جزء من سيرتي الذاتية كمثال:



وبصراحة في كل مرّه أعرضه على قسم الموارد البشرية بأي مؤسسة, أقابل بالإطراء وجذب الإنتباه قبل حتّى الخوض في أي حوار حقيقي .. لذلك أنصحكم جدًا بالإهتمام بهذه التفاصيل الصغيرة في هيئتها, والعظيمة في أثرها على المتلقّي.

بالمناسبة, أجد من الضروري جدًا أن تمتلك حسابًا رسميًا على الشبكات الإجتماعية لرفع مستوى الفرص الوظيفية مثل:
- بيت كوم
- LinkdIn

الوظيفة | مرحلة التنفيذ والتطوير

طالما أكرمك الله ببلوغ هذه المرحلة, فإليك نصائح (بديهية) مبنية على مبدأ التعلّم بالتجربة لا التلقين:

  1. أبقي على هويتك الشخصية, ومبادئك التي تؤمن بها مهما أظهرت المرونة! لا سيما إن عملت في بيئة عمل مختلطة الثقافات والجنسيات, كن خير سفير لهويتك العربية المسلمة .. لفتة صغيرة: كيف يمكنك أن تتبنّى وتحترم مبادئ المنظمة التي تنتمي إليها إن كنت غير قادر على إحترام مبادئك الشخصية والتحلّي بها؟.
  2. راعي الفروق الفردية بين الجنس الواحد, والفروق بين الجنسين! .. مثلًا: إن كنتِ جزء من منظمة مختلطة, فالرجال -غالبًا- مباشرين جدًا فيما يختص بالمهام المطلوبة والمنفذة, بعكس الإناث اللاتي تغلب عليهن سمة التكلّف.
  3. في المناصب القيادية, كن صارمًا في معايير المهام لكن حافظ على إنسانيتك مع مؤدّيها.
  4. لا تتنازل أبدًا عن معاييرك العالية وإحترافية الأداء, الجودة ترفع من قيمتك التسويقية وقيمة مؤسستك.
  5. القانون لا يحمي المغفلينفاحمي نفسك واعرف حقوقك وحقوق الآخرين.
  6. تحرّر من دائرة راحتك.
  7. العمل لا يحتمل العواطف. تدرب على أن تكون حياديًا ومنصفًا ولو على حساب نفسك! واحذر أن تصيبك آفة (الشخصنة).
  8. احترم وقتك ووقت الآخرين.
  9. الإخفاق جزء من منظومة النجاح, لا تخجل منه.
  10. تعلّم من أخطاءك, وابدأ من حيث إنتهى الآخرون.
  11. ماخاب من استشار! .. بإستشارة الخبراء أنت تحمي نفسك من تكرار الأخطاء.
  12. تحرّر من دائرة راحتك.
  13. نجاحك مرتبط بمدى قدرتك على إدارة وقتك بذكاء! ومن أجود الطرق في إدارة الوقت إلتزامك بخطة عمل شهرية | أسبوعية, وقوائم عمل يوميّة! “جرّب
  14. نافس ذاتك وتفوّق عليها, أنت بهذا تحقق إنتصارين عظيمين على مستواك الشخصي وعلى مستوى بيئة عملك.
  15. التحفيز يبدأ بك ومنكتعلّم أساليبه وأبقي على جذوة الحماسة في بيئة عملك.
  16. حافظ على عنصر الإبتكار (تقدّم دائمًا عن البقيّة بخطوة).
  17. احترم الضوابط الرئيسية بمنظمتك وخاصة تلك التي تندرج تحت قانون العمل والعمال, بالمقابل, استحدث وطوّر الضوابط بما يعزز الأهداف المشتركة بينك وبين فريقك ومؤسستك.
  18. تحرّر من دائرة راحتك.
  19. تبنّى تقنيات جديدة لتطوير نفسك وفريقك ورفع مستوى أداءه, (القائد الناجح هو من ينجح ضمن فريقه وبينهم, لا وحيدًا تحت الضوء).
  20. كن غير قابل للإستبدال, والتجاهل, والنسيان.

أخيرًا, عالج مشكلاتك الداخلية دوريًا وتخلّص من الشوائب التي تعكر سير العمل, والأهم أن تدرك أن مشكلتك ليست مع الأفراد إنّما الأفكار!, وتدرب على أن تطوي ملفاتك قبل أن تغادر مكان العمل! .. لا تحمل عملك إلى منزلك (لنفسك عليك حقّ). 


بعد الوظيفة | مرحلة البدايات الجديدة

عليك بثلاثة أمور جوهرية:

أ) اخرج من عملك بإنجاز حقيقي وأثر عظيم ما أمكن.

ب) حذارٍ من أن تغادر منصبك دون أن تستهلك فيه كل إمكانياتك وتستفيد إستفادة كاملة من كل مايمكن أن يضيف لقيمتك التسويقية الشخصية بالمستقبل. (لا تكرر نفسك لفترة طويلة في مجال واحد وتقلّص فرصة إكتشاف نقاط قوتك المخفيّة).

ت) حافظ على علاقاتك المهنيّة (الدنيا صغيرة).
ختامًا| جميع ماسبق عبارة عن عصارة التجربة في عدد لا بأس به من المجالات المهنية (وأقرّ بفضل والدي الكريم عليّ إذ كان خير قدوة لي في كل خطوة مهنية بناءًا على خبرته العريقة كمستشار أوّل في مجال الموارد البشرية), لكن وبلا شك فكل إنسان مجبول على التغيير مع الزمن, ولعلي بعد مدّة أكتسب قناعات جديدة وتتغيّر نظرتي للجوانب المطروحة هنا .. 

من هذا الباب, يسعدني أن تضيف لنا من تجربتك وتثرينا ببديهيات قد تكون غائبة عنّي وعن السادة القرّاء, وأكون ممتنة في حال شاركت هذه التدوينة مع من يهمهم الأمر. شكرًا مقدمًا

4 comments:

  1. تدوينة مثرية وجميلة جزاك الله خيراً

    ReplyDelete
  2. اجادت الكاتبة كعادتها بأسلوب شيق ومثير سرد تجربتها بعد التخرج وبعد التحاقها بسوق العمل وما سبقه من استعداد وتجهيز وما لحقه من ابداع وتصميم

    ReplyDelete

Top